الإخبار عن التوسع في الملبس والمطعم والفراش

عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة ، وراح في حلة ، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة ؟ " قالوا : يا رسول الله ، نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ، ونكفي المؤنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا، أنتم اليوم خير منكم يومئذ" (1) .
المعاني : ـ
"كيف بكم . . . " أي ما حالكم ، "إذا غدا . . . الحديث" وبأي حال ستكونون حينذاك ؟ أتكونون خيرا من الآن ، أم تكونون أقل خيرا من الآن ؟ وقد جاء في رواية أخرى "أنتم اليوم خير أم إذا غدى على أحدكم بجفنة . . . الحديث"(2)
" إذا غدا أحدكم" الغدو : الذهاب أول النهار ، والمعنى : إذا خرج أحدكم أول النهار.
" في حلة " الحلة : ثوبان أحدهما فوق الآخر ، أو : الثوب الجديد ، أو : الثوب الذي له بطانة ، والمراد هنا : ما يلبسه الإنسان للخروج .
" وراح في حلة " الرواح : الذهاب آخر النهار، والمعنى : وخرج آخر النهار في لباس آخر ، غير الذي خرج به أول النهار، والمراد : كثرة الملابس عند المسلم.
"ووضعت بين يديه صحفة" : الإناء الذي يقدم فيه الطعام ، وقد جاء في رواية أخرى بلفظ "قصعة" وفي أخرى بلفظ "جفنة" وكلها أسماء لأواني الطعام ، إلا أن الجفنة والقصعة غالبا ما تكون من الخشب، أما الصحفة فغالبا ما تكون من المعدن.
ومعنى "وضعت بين يديه صحفة" أنه يأتي الطعام إليه ، لا يحضره هو لنفسه ، وإنما يحمله إليه خادم، أو عبد حتى يضعه بين يديه ، يضع أمامه الإناء مليئا بالثريد(3) واللحم ، كما جاء في رواية أخرى (4) " أنتم اليوم خير أم إذا غدى على أحدكم بجفنة من خبز ولحم" وفي رواية أخرى (5) "يغدى على أحدكم بالقصعة الثريد" .
"ورفعت أخرى" أي رفعت من أمامه صحفة أخرى، أي رفع من أمامه إناء آخر من أواني الطعام كان قد قدم له، ومعنى هذا أنه تقدم له الأطعمة الثقيلة كثيرا، حتى إنه توضع الوجبة قبل أن ترفع أواني سابقتها ، فيأكل في اليوم الواحد أكثر من مرة من الأطعمة الثقيلة كاللحم وغيره.
"وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة" أي تسترون جدران بيوتكم بالأقمشة والستائر، كما تستر جدران الكعبة، مع أن هذا من خصائص الكعبة، لكنكم تفعلونه في بيوتكم.
"نحن يومئذ خير منا اليوم" أي الموجودون من الأمة وقت التوسعة وكثرة الخير خير منا الآن .
"ونكيفي المؤنة" أي لا يشغلنا تحصيل القوت، وإنما يكفينا ذلك ويقوم مقامنا غيرنا من عبد أو خادم أو أجير.
وجه الإعجاز في الحديث : ـ
في وقت كانت الأمة الإسلامية قد حماها الله الدنيا، فكانوا متقللين من الدنيا أيما تقلل ، وكانوا حريصين على الآخرة كل الحرص، كانوا متقللين في مطعمهم ومشربهم، في ملبسهم ومسكنهم، كانوا يخافون الدنيا على دينهم وآخرتهم ، وبكل حزم كانوا يستعدون لآخرتهم ، دليلهم في الحياة قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال : بيت يسكنه ، وثوب يواري عورته ، وجلف الخبز (6) والماء(7)" أي ما زاد عن الثلاثة هذه فسوف يسأل عنه ، ويحاسب عليه ، كما قال سبحانه : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } [ آخر سورة الكوثر ] .
في هذا الوقت يخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي وقت على الأمة تفتح عليهم الدنيا ، فيتوسعون في مطعمهم ومشربهم، وملبسهم ومسكنهم، ويستبعد الصحابة ويستغربون ، حتى إنهم يقولون : "نصيب ذلك ونحن على ديننا؟" فيقول صلى الله عليه وسلم لهم : "نعم"(8).
ويتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، ويقع الأمر كما أخبر ، وتفتح الدنيا على الأمة ، ويتوسعون فيها توسعا كبيرا :
ففي مطعمهم يتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم تماما ، فيأكل المسلم أكثر من مرة في اليوم ، ويصف الحديث حال الكثيرين تماما ، إذ يقول صلى الله عليه وسلم : "أنتم اليوم خير ، أم إذا غدى على أحدكم بجفنة من خبز ولحم ، وريح عليه بأخرى"(9) تقدم له الوجبات الدسمة فتوضع بين يديه صحفة ، وترفع أخرى ، قد ملئت الصحاف بالثريد واللحم أو بالأرز واللحم ، وقد يضاف إلى ذلك أو يصاحبه أشياء وأشياء ، وتفنن في صناعة اللحم، وتعدد أنواع الثريد ، فكثرت الأطعمة وتنوعت، وتعددت وتعقدت والمسلمون يقبلون ذلك ، ناسين الهدى الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وفي ملبسهم أصبح المسلم عنده الكثير من الملابس ، منها الداخلي، ومنها الخارجي، ومنها ما هو للأسفار ، وما هو للإقامة ، ومنها ما هو للبيت ، وما هو للخروج، بل إنه يلبس للخروج في اليوم الواحد أكثر من لباس ، فلباس في الصباح، ولباس لما بعد الظهيرة ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة ، وراح في حلة "
ولم تكتف الروايات ببيان تعدد الملابس عند المسلم ، وإنما بينت أنها من الأقمشة الفخمة الغالية ، فقد جاء في رواية طلحة النضري "وتلبسون مثل أستار الكعبة" ثم يقول أحد رجال الإسناد لتلميذه : هل تدري ما كان أستار الكعبة يومئذ؟ فيقول : لا ، فيقول الشيخ : ثياب بيض كان يؤتي بها من اليمن (10).
وفي مسكنهم يتحقق أيضا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، فكثرت الفرش والستائر ، حتى أصبحت البيوت مكسوة مستورة ، كما تكسى الكعبة وتستر ، فلا تقلل من الدنيا ، ولا حساب لإنفاق المال ، وإنما توضع الستارة بمقدار الجدار، تستره كله من أعلاه إلى أسفله، من أوله لآخره ، بل ظهر ستر الجدر بأقمشة تلصق بها، والقارئ ليس بحاجة لبيان إلى أي حد تحقق هذا الحديث ، فالكل يدرك أن حديثه صلى الله عليه وسلم قد تحقق في أهل زماننا تماما ، تحقق بكل حقائقه، في المطعم والملبس والمسكن .
وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، فلقد أخبر بالأمر في وقت لا يتوقع حصوله ، فوقع كما أخبر.
وإذا كانت الأمور التي أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنها ستكون، قد وجدت ، وهذه معجزة له صلى الله عليه وسلم ، ففي هذا الحديث معجزة أخرى له صلى الله عليه وسلم ، وهي قوله : "أنتم اليوم خير منكم يومئذ ، ثم بين لهم تفصيل ذلك ، وهو أنهم في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا إخوانا بنعمة الله ، وأما عندما تفتح عليهم الدنيا ، فسيصيرون متحاسدين متقاطعين ، متباغضين ، يقتل بعضهم بعضا، ولقد كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم لا يتصورون أن يقتل المسلم أخاه، ومن هنا استغربوا ، فحينما حدثهم صلى الله عليه وسلم ، " إن بين يدي الساعة لهرجا" قال أبو موسى : ما الهرج ؟ قال : "القتل" ، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله " إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم : " ليس بقتل المشركين ، ولكن يقتل بعضكم بعضا ، حتى يقتل الرجل جاره، وابن عمه ، وذا قرابته " فقال بعض القوم : يارسول الله ، ومعنا عقولنا ذلك اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم " (11).
لقد استبعد الصحابة أن يقتل المسلم أخاه المسلم ، ولم يتصوروه ، فكيف يقع هذا والله سبحانه وتعالى يقول : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } [ سورة النساء آية 93 ] ، إنه أمر يرونه مستحيلا ولذا لما أخبرهم صلى الله عليه وسلم بظهور القتل ، ظنوه قتل المسلم لعدو من أعدائه غير المسلمين ، فلما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه قتل المسلم أخاه المسلم ، تساؤلوا أيكون في القاتلين عقل ؟ إنهم لا يتصورون هذا أبدا ، إلا أنه صلى الله عليه وسلم يخبر أنه سيكون ، سيكون هذا الذي استبعده الصحابة ، سيكون هذا الأمر الذي لا يتصور في زمنه صلى الله عليه وسلم ، وفعلا يتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، فالناس يستكثرون من الدنيا ، وقد فتحت عليهم ، فتحاسدوا ، كل منهم يريد أن يكون الشئ له لا لغيره ، وحرصا على الدنيا لم يبق لصلة الرحم نصيب، ولتعارض المصالح تباغضوا وتباعدوا وزاد الأمر عن هذا فتقاتلوا ، يحسد الرجل غيره على المنصب والمركز ، ويحسد الرجل غيره على مبنى أقامه ، أو حظ من الدنيا أصابه ، فانتشرت البغضاء بين الناس ، حتى لربما قتل بعضهم بعضا ، قتل بعضهم بعضا من أجل عرض من الدنيا ، وجهلوا أن قتل المؤمن كبيرة بل من أكبر الكبائر.
وأيضا تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، فكان أهل زمانه الذين لم تفتح عليهم الدنيا ، والذين عاشوا دنياهم من أجل آخرتهم ، كانوا أفضل من أهل الأزمنة الذين فتحت عليهم الدنيا ، إذ أن أهل هذه الأزمنة لم يستخدموا انفتاح الدنيا عليهم كما كان الصحابة يأملون يستخدمونها في الطاعات والقربات ، وإنما استخدموها في الملذات والشهوات ، وألهاهم التكاثر ، فتحاسدوا ، وتقاطعوا ، وتدابروا ، وتقاتلوا ، وتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في كل ذلك .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يخبر بظهور هذه الأمور في الأمة ، من الاستكثار من الدنيا ، ومن وقوع البغضاء بين المستكثرين ، إنما يحث الأمة على التقلل من الدنيا ، فإن الاستكثار منها أوله حساب ، وآخره عذاب ، فمهما كثر مال المسلم فلينفقه فيما هو مشروع، وبقدر الحاجة ليس إلا ، فإن كان ماله كثيرا، فلينفق الكثير منه في طاعة الله ، لا في الشهوات والملذات، كما قال صلى الله عليه وسلم : "نعم المال الصالح للمرء الصالح" (12).
وأيضا فإنه صلى الله عليه وسلم يحذر الأمة من أن يصل الاستكثار من الدنيا بهم إلى حد التباغض والتقاطع والتقاتل ، وإنما عليهم أن يمتثلوا قول الله تعالى : {إنما المؤمنون إخوة } [ سورة الحجرات : آية 10

] .

بارك الله فيكِ على الموضوع الراائغ

موضوع جميل مشكورة :) :)

:>>:

شكرا الك كتيييييييير حبيبتي

يعطيكي العافية يا رب

موفقة

جزاكي الله كل الخير عالموضوع الرائع

شكرا كتير الك

الإخبار عن التوسع في الملبس والمطعم والفراش 42317

» ناسا: الكون سيستمر في التوسع إلى اللانهاية