"رؤي" أمريكية تنذر بالخطر

"رؤي" أمريكية تنذر بالخطر
"بوسطجي"يحمل خطابك للعالم الآخر
المخرج مصري الأصل..والأداء لنيكولاس كيدُ

تقدمها : د. نهاد ابراهيم

لا إحراج ولا إنكار ولا استغراب.. إنه بالفعل فيلم مثير غريب مختلف.. يختلف عن التوليفة الطبيعية للأفلام الأمريكية التجارية. ومعظم أفلام الخيال العلمي التي تتناول الأخطار التي تهدد الأرض.. لقد تمادي الفيلم في طرحها وتصديقها حتي حققها. بل وبلغ بدايات نتيجتها النهائية. تصورنا أن الفيلم سيخبرنا في النهاية أن ما شاهدناه حلما مزعجا مثلا. لكن ذلك لم يحدث.. يبدو أن الحقيقة أحيانا ما تكون أكثر سوءا ودهشة من الخيال القريب والبعيد..
نقصد هنا الفيلم الأمريكي البريطاني ¢الرؤي / Knowing" 2009 إخراج الفنان المصري المولد والأسترالي الجنسية والنشأة أيضا أليكس بروياس "1963 - ". الذي ينتمي إلي عائلة يونانية. وتتنوع أنشطته بين الإخراج والتأليف والإنتاج والتصوير والمؤثرات الخاصة والمونتاج والتمثيل والتأليف الموسيقي بنسب مختلفة. بدأ أليكس مشواره الفني في الثمانينات من القرن الماضي. وقدم كمخرج عدة أفلام سينمائية من بينها ¢مدينة الظلام / Dark City" 1998 و¢الإنسان الآلي / I. Robot" 2004. علي مدي مشواره الفني تم ترشيحه إلي أربع جوائز. وفاز بأربع جوائز أخري. من أهمها جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلمه القصير ¢كتاب الأحلام¢ 1994. شارك المخرج بروياس في الإنتاج مع آخرين كثيرين. وبلغت ميزانية الفيلم خمسين مليون دولار. ووصلت أرباحه حوالي ثلاثة وتسعين مليون دولار ويزيد عالميا.
خمسون عاما
اتفق كاتب القصة ريان دوجلاس بيرسون. الذي شارك في كتابة السيناريو مع جولييت سنوداون وستايلز وايت. علي المزج في بنائهم السينمائي بين المغامرات والغموض والخيال العلمي والإثارة. وأقاموا الفيلم علي أساس فرضية علمية أسسوها بنجاح. وبثوا مصداقيتها بالتدريج داخل المتلقي. خاصة عندما شاركه بعض الأبطال في عدم تصديقها في مراحل مختلفة. في عام 1958 في لكسنجتون بولاية ماساشوستس الأمريكية. تم افتتاح مدرسة ابتدائية جديدة مثل كل المدارس. ولأن الأطفال عادة ما يتسمون بالبراءة. ويملكون خيالا طائرا بلا قيود ولا خوف أن يتهمهم أحد بالجنون. اقترحت المدرسة الشابة الجميلة مس تايلور "الأسترالية دانييل كارتر" علي الصغار رسم صورة للمستقبل بعد خمسين عاما ويضعوها علي أوراقهم. كان الجميع يضحك ويفكر وهم يتنافسون في كرم التوقعات والتخمينات بلا جوائز. انتهي الوقت المحدد لرسم الأطفال. وراحت مس تايلور تجمع أوراق رواد فضاء الخيال بكل حب وسلاسة. إلا ورقة الطفلة الصغيرة العابسة لوسيندا إمبري "الأسترالية لارا روبنسون". التي ترفض ترك القلم الذي اشتكي من ضغط يدها الصغيرة علي أنفاسه. وهي تملأ كل ورقتها بمجموعة هائلة من الأرقام أو الشفرات أو أي شيء لا يفهمه أحد. كما أن لوسيندا نفسها لا تعي ما تفعل. فهي تسابق الزمن وتتملي من مجهولين يهمسون في أذنيها الصغيرتين بكل هذه الداتا المجهولة. وعندما اختارت إدارة المدرسة يوما لتضع فيه رسومات الأطفال في كبسولة معدنية. لإخفائها تحت الأرض في مكان ظاهر في قلب المدرسة يعرفه الجميع لتفتحها أجيال المدرسة بعد خمسين عاما. اختفت الطفلة الغريبة الأطوار لوسيندا بشخصها. حتي عثرت عليها المدرسة الجميلة مختبئة وحدها في خزانة صغيرة. وقد خربشت الخشب لأنها في الحقيقة مازالت تستكمل كتابة بقية أرقام الشفرة بسرعة غريبة شبه آلية. فأذناها مازالت تلتقط الهمس المتواصل وتتملي ما يقولونه لها.. من هم هؤلاء؟ ماذا تعني هذه الأرقام؟ ولماذا اختيار الأحداث في الزمن القديم؟ من هي لوسيندا؟ ولماذا اختاروها ليستخدمونها بوقا مكتوبا. هذا إذا كانت لوسيندا تقول الحقيقة بالفعل..
العصر الحاضر
مشكلة كبيرة أن تكون لوسيندا مصابة مثلا بهلاوس سمعية ستمتد آثارها إلي الزمن المعاصر. لكن المشكلة الأكبر ألا تكون مريضة. وأن نصبح أمام لغز غامض سيضرب جذور أجيال متلاحقة وربما كوكب الأرض كله» وهذا ما حدث بالفعل.. نجح المخرج والسيناريست في إشعال بذور الفضول مبكرا. ومطاردة المتلقي بخيوط فرضيات علمية لربطه بمقعده حتي النهاية. وعندما تكون طفلة صغيرة مصدر الخطورة كإرسال أو استقبال. تسقط كثير من حواجز التشكك داخل المتلقي خاصة مع إجادة الممثلة الصغيرة. ليقتنع بمعدل أسرع بالفرضية العلمية المطروحة. ويتعاطف معها من باب الخوف علي نفسه وعلي بقية البشر. في المرحلة الماضية وضع المخرج بدايات منهجه الفني. وخلط معطيات متعددة بعضها ببعض. لتوليد الغموض من قلب المشاهد الصريحة الواضحة» وهو من أصعب أنواع الغموض. وازن المخرج بين الخيط الواقعي الذي يلف العالم أجمع. ويعيشه الكثير من المواطنين العاديين في المدرسة الصغيرة والبيئة التي تحيط بها. وبين الخيط العلمي الغيبي الذي يرتبط بلوسيندا وحدها. تواصلت كاميرات سايمون دوجان مع المتلقي عبر خطوط صريحة. وزوايا متفاءلة بعالم لا يهدده خطر خاصة في مدرسة ابتدائي. بالتالي استخدم مونتاج ريتشارد ليارويد نقلات سلسة. طالما أننا نتعامل مع أفراد مثلنا. لا يحملون خصوصية بعينها في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم. لكن ما أن تتقاطع لوسيندا مع العالم المحيط بتفاصيل تكوينات الكادر الطبيعية. حتي تجبر الكاميرات علي التخلي عن أمانها استاتيكيتها. لتبدأ في خطف الكادر عبر خطوط غير متوقعة أو من ارتفاعات مهيمنة. كما تأثر المونتاج بموهبة لوسيندا السمعية. واستجاب إلي شكوك الهلاوس أو الخطر المحدق بها. عبر قطعات حادة جدا تقتحم نهايات المشاهد السابقة. وتخترق بدايات المشاهد التالية. نحن إذن نعيش في عالم تحمله الصغيرة لوسيندا. لكنها لا تعرف أنها تملكه. وأنها اختيرت لتكون ساعي البريد للقادمين من عالم آخر .
مثلما تم العثور علي لوسيندا الصغيرة في ظلام الخزانة الصغيرة. وجدنا أنفسنا نقفز زمنيا ومكانيا ونفسيا خمسين سة كاملة لنصبح في عام 2009. ونحضر رغما عنا بقية محاضرة ممتعة للبروفيسور جون كوستلر "الأمريكي نيكولاس كيج" عن أسرار العالم في الجامعة. وكيف أنه يميل إلي النظرية التي تعترف بوجود مفاجآت كونية بطريق الصدفة. يبدو أن البروفيسور مستمتع تماما بمادته العلمية. لكنه حزين من داخله لأن يحمل تساؤلات وجودية لا تنتهي. كما أنه مازال يفتقد زوجته الراحلة التي فارقته منذ سنوات قليلة. ويحمل هم ابنه الصغير كاليب "الأمريكي شاندلر كانتربري" المصاب بمشكلة في السمع. ويبدو أنه هو الآخر له طبيعة خاصة بين الأطفال.. المساحة المشتركة الرابطة بين الماضي والحاضر. أن كاليب الصغير تلميذ بالمدرسة نفسها. وقد مرت الآن الخمسون سنة وحان وقت فتح الكبسولة المختبئة تحت الأرض. ليتسلم كل طفل حظه في مشاهدة ما كتبه زميله السابق. جاء نصيب كاليب في ورقة لوسيندا المليئة بالأرقام الغريبة. التي تعامل معها البروفيسور في البداية بصفتها طفلة غريبة كانت تلعب وانتهي الأمر. خاصة بعدما علم من مس تايلور العجوز الآن "الأسترالية أليثيا ماكجراث" أن لوسيندا توفيت منذ سنوات. ولم يبق من ذكراها إلا ابنتها ديانا وايلاند "الأسترالية روز برن" وحفيدتها آبي وايلاند "الأسترالية لارا روبنسون". إذا كان المتلقي العادي يدفعه فضوله الفطري لحل شفرة هذه الورقة المعقدة المحشوة بالأرقام عن آخرها. فما بالنا حينما تقع في يد عالِم كوني موهوب في دراسة أسرار العالم. وقد تزامنت حيرته مع ظهور أشخاص غرباء بزعامة الغريب "دي. جي. مالوني". ولا يعرف سبب اقترابهم الدائم من ابنه. وإعطائه شيئا مثل الحبات الكبيرة لا يفهم معناها أو استخدامها.. ربط الفيلم بين الزمانين من ناحية. وبين ماضي وحاضر ومستقبل الكرة الأرضية من ناحية أخري. عندما اتضح أن ورقة لوسيندا مليئة بتواريخ حوادث جسيمة ستصيب الأرض في الخمسين عاما القادمة التي انتهت الآن. مع تحديد أرقام الضحايا المتساقطة في كل أنحاء العام بكل دقة من بينها كارثة 11 سبتمبر 2001! ولم يتبق من الورقة سوي ثلاثة أحداث شهدها الروفيسور جون بنفسه. وحاول جاهدا منع سقوط طائرة. واصطدام مترو الأنفاق بآخر وبالرصيف وبكل شيء. وحاول علي الأقل تقليل عدد الضحايا ولو فردا واحدا. لكن كيف يتصرف إذا كان كل هذا مقدرا من مقبل وتعرفه لوسيندا. تماما كما يعرفه ابنه كاليب وحفيدة لوسيندا اللذين اختارتهما الأصوات الجهولة لتهمس في آذانهما بكل ما تريده. آخر رسالة شفرية وجدها جون في منزل لوسيندا الكبيرة. تقول إن الحادثة القادمة سوف تشهد نهاية كل إنسان» أي أنها نهاية العالم بلا رجعة!
طرح الفيلم قضية بدت جانبية بينما هي شديدة الأهمية. سببها خصام جون الطويل لوالده كوستلر "الأسترالي آلان هابجود" رجل الدين. واعتراضه علي توجهه الفكري دائما. مع محاولات جريس "ناديا تاونسند" شقيقة جون التوفيق بينهما. أي بين الابن ووالده. أو بين العلم والدين قدر المستطاع دون جدوي. ولم يستجب لها جون إلا عند نهاية العالم التي حدثت بالفعل.. صنع المؤلف الموسيقي ماركو بلترامي توليفة موحية بين الواقع ومجهول الخيال العلمي. وقدم ديكور نيكي جاردنر وملابس تيري ريان دلالات متوالية وعلامات دائمة التغير عبر الأحداث. فيما يتعلق بكل شيء يخص لوسيندا ومنزل جون. باعتبار أن كاليب هو وريث لوسيندا الشرعي.. لم تصل المؤثرات المرئية لإريك درست والمؤثرات الخاصة لأنجيلو ساهين إلي حد التهويل المبالغ فيه. لأن المبالغة ستضرب جذور مصداقية القضية المطروحة في مقتل. بل علي العكس حاولا أن يصنعا من العالم البديل بعد دمار كوكبنا. أرضا واقعية تقترب من تفاصيل كوكب الأرض. لنكتشف أن وصول الطفلين كاليب وآبي مع الهامسين أو القادمين من بعيد إلي كوكب آخر يشبه الأرض له قمران علي الأقل. ما هي إلا نقطة انطلاقة جديدة نحو حياة أكثر جمالا وبراءة وأمان..

شكرا لينا دائما مواضيعك حلوة

u welcome thanks

يسلمو ايديكي لنوووووووووووووشة

» مايا نصري تهدي باسم باخور "شبشب" في "الضيف ضيفك"
» "سكووب" يزور كواليس أول مسلسل سوري تشارك في بطولته "لميس"
» العلامات التي تنذر بانهيار العلاقات الزوجية ..
» لحظات انكسار .. قصة أمريكية
» أمريكية تعيد كتابا استعارته من المكتبة منذ 30 عاما